الأحد 17/ ذو الحجة/ 1445 - 23/06/2024 : ذمار نت عبدالباري عبدالرزاق
بدأت الهند دورها التاريخي في بداية الحرب الباردة بتأسيس حركة ’’ عدم الانحياز ’’ واتجهت الهند نحو الازدهار بعيداً عن تأثير القوى الإمبريالية المهيمنة على العالم , فكان الموقف الهندي من القضية الفلسطينية متزن لعقود , وهي أول دولة غير عربية تعترف بـمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب الفلسطيني في 1974، كما كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين في 1988، ورغم أن الهند اعترفت بإسرائيل في 1950، فإنها لم تقم علاقات دبلوماسية معها حتى 1992. لكن موقف نيودلهي، بعد 7 أكتوبر 2023م. تغير من عدم الانحياز إلى شديد الانحياز إلى إسرائيل من خلال إعلان رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، «التضامن» مع كيان الاحتلال، وإدانة ما سمّاها «الهجمات الإرهابية». لم يقتصر التضامن على الموقف السياسي للهند مع كيان الاحتلال، وأنماء وصل إلى انخراط الهند بشكل غير مباشر في العدوان على غزة منذ بدايته، حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن “الهند تزود إسرائيل، بقذائف المدفعية وأسلحة خفيفة وطائرات مسيرة”، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقالت “يديعوت أحرونوت” نقلا عن مصادر: ” في فبراير (شباط) الماضي، ذكرت وسائل إعلام هندية، لأول مرة، أن الهند تزود إسرائيل بطائرات مسيرة متطورة من طراز “هيرميس 900″ تم تصنيعها في مدينة حيدر أباد”. وبحسب الصحيفة، فإنه من المحتمل أن يكون هذا القرار الدراماتيكي قد تم الموافقة عليه من قبل كبار المسؤولين في الهند، على الأرجح بسبب حقيقة أن إسرائيل هي أحد مورديها الرئيسيين للأسلحة وأوضحت الصحيفة أن “الحرب في غزة، وضعت العلاقات بين إسرائيل والهند، أمام اختبار صعب لم يتمكن العديد من الحلفاء من اجتيازه”. وأضافت: “خلال الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول الماضي)، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، دعمه لإسرائيل وأدان الإرهاب بشكل لا لبس فيه، وأظهرت بلاده دعما غير مشروط لإسرائيل في الأشهر القليلة الأولى”. كما ظهر الموقف الهندي في أروقة الأمم المتحدة لأول مره مناقضا للموقف الديبلوماسي للهند المؤيد تاريخيا للحقوق الفلسطينية , وهو الموقف الذي اعتبره خبراء مؤشراً على ارتباك السياسية الخارجية الهندية , فلم يكن غريباً معارضة الهند التصويت لمصلحة مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر تشرين الأول الماضي , بدعوى عدم إدانة حركة ’’ حماس ’’ . وتشير تقارير صحفية إلى أن مواقف الحكومة الهندية الداعمة لإسرائيل، تشي بتباينات داخل أروقة صنع القرار في نيودلهي بين تيار عدم الانحياز وبين تيار الحزب الحاكم، في المسائل المتعلّقة بالسياسة الخارجية، على نحو خاص، إذ يصرّ التيار المقرّب من رئيس الوزراء الهندي على صياغة سياسة شرق أوسطية تتعامل مع قضايا الإقليم من زاوية «الحرب على الإرهاب»، وتضع إسرائيل جنباً إلى جنب مع الهند، في «معركة مشتركة» . الضعف العربي . على الرغم من أن عدد المسلمين في الهند يتعدى الـ 200 مليون نسمة من اجمالي عدد سكان الهند الذي يتجاوز المليار نسمة , اضافة إلى المصالح الهندية العربية المشتركة خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ,حيث تعتبر البلدان العربية والإسلامية سوق مفتوح للكثير من المنتجات والصناعات الهندية , ناهيك عن العمالة الهندية في دول الخليج , إلا أن الحكومة الهندية لا تخشى فقدان هذه المصالح, لمعرفتها بضعف الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية وتخادم الأنظمة العربية مع الاحتلال الصهيوني . الحزب الهندوسي والحركة الصهيونية. يلتقي حزب بهاراتيا مع الصهاينة فكرياً من حيث النزعة العنصرية والعداء للإسلام، وقد شهدت العلاقة الإسرائيلية الهندية نمواً مطّرداً،منذ صعود حزب بهاراتيا الهندوسي إلى السلطة عام 2014م. ويتبنى حزب بهاراتيا سياسة قومية هندوسية متشددة، وفكراً ذا نزعة عنصرية تجاه المسلمين في الهند والأقليات الأخرى , وهو الامر الذي ساهم في تطور العلاقة الهندية الإسرائيلية وصولاً إلى تخلى الهند عن مواقفها المتزنة والانحياز الكامل إلى صف الكيان الصهيوني , حيث يرى حزب بهاراتيا والصهاينة انهما في حرب واحده ضد عدو واحد . مخاطر هذه السياسية والمواقف على مستقبل الهند ومكانتها. في المحصلة للمواقف الهندية المناقضة لتاريخها المتزن نسبياً منذ تأسيس حركة ’’ عدم الانحياز ,, عواقب وخيمة على المدى القريب والبعيد . وتشير مجلة «فورين بوليسي» إلى أن انتهاج الهند مقاربة شديدة الانحياز إلى إسرائيل، على غرار البلدان الغربية، سوف يُعلي من شأن رهانات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالتالي يعزّز هيمنتها عليه، ويبطئ وتيرة التغيير فيه، المنشود هندياً. وفي المقابل، تعتبر المجلة أن تبنّي نيودلهي موقفاً محايداً، مستنداً إلى الشرعية الدولية، أو حتى اكتفاءها بموقف ملتبس في شأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، يخدم مصالحها بصورة أفضل . لكن المجلة تستبعد أن توقف الهند، بسبب حرب غزة، تعاونها العسكري مع إسرائيل، ولا سيما أنها تستورد نحو 46% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية، وتستفيد من «اتفاقات أبراهام» كغطاء سياسي لتطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال..معتبرة أن «هذه اللحظة تتطلّب نهجاً مختلفاً في التعامل مع إسرائيل، وخاصة إذا اتّسع نطاق الصراع»، في ظلّ ما أحدثه من تحوّلات «مزلزلة» في النظام العالمي، من بينها التطوّر العسكري المتنامي للاعبين من مثل إيران وسوريا، وتنظيمات غير دولتيّة كـ«حزب الله» اللبناني، وتراجع القوّة الاستراتيجية لكلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، بالمقارنة مع خصومهما.
جميع الحقوق محفوظة لموقع © ذمار نت . تم تصميم الموقع بواسطة أوميغا سوفت