الأربعاء 15/ رجب/ 1446 - 15/01/2025 : undefined
محمد سيف الدين يكتب عن الدولة الوحيدة التي تجرأت على ضرب أميركا مباشرةً . حتى اللحظة الأخيرة من الحرب على غزة ، استمرت اليمن بضرب اسرائيل ، وأبرز الأهداف فيها، وزارة الدفاع. لا تكتمل مشهدية المنطقة من دون بوابتها الجنوبية على عالمين. اليمن التي تقف بين فضاءين بينهما مستقبل الصراع الدولي: نحو المحيطين الهندي والهادي شرقاً، وشمالاً باتجاه أوروبا وعبر الأطلسي. القصف اليمني المستمر منذ بداية الحرب شهد تصعيداً متدرجاً ومحسوباً بدقة، في الأهداف والأسلحة والإدارة الاستراتيجية للمشهد، ولطبيعة الهدف والقوة المرتبطة به، وتأثيراته العسكرية والاقتصادية والمعنوية في الحرب. فما هي الحسابات وكيف سيكون شكل المستقبل بالنسبة لليمن؟ الموقع الجيوسياسي الاستثنائي ليس عنوان الفرادة الأهم هناك، بل إن طبيعة الشعب وعمقه الحضاري هي تحديداً القماشة النادرة والفريدة. اليمن ليس دولة عادية وليس في موقع عادي. الجغرافيا هي أول سلاح بيد اليمنيين. والتاريخ والإرادة السياسية المبنية عليهما ..هي السلاح الثاني. فكيف يترجم اليمنيون ذلك؟ طبيعة الشعب تعطي معان جديدة للموقع وللإرادة السياسية، وهي لو توفرت الموارد اللازمة قادرة على ان تكون قوة إقليمية. ومعروف عن تلك البلاد أنها من أذكى الشعوب العربية، وأكثرها قدرة على الصمود والتكيف، وفي شعبها شجاعة منقطعة النظير. وفيها القيم العربية الأصيلة حية أكثر من أي دولة أخرى. وهذه قوة حضارية وثقافية مهمة جداً للطموحات السياسية للدولة. هناك نواة فريدة للشخصية اليمنية، وهي قابلة للتطور. خصوصاً مع وجودها على ممرات العالمين اللذين يخوضان حرباً باردة اقتصادية الآن، كمقدمة لصراعٍ أوسع. لكن ما ملامح القوة التي أظهرتها اليمن خلال الحرب على غزة؟ التدخل اليمني إلى جانب الفلسطينيين لم يكن عادياً أو شكلياً، بل اتخذ منحىً استراتيجياً بالكامل أدى إلى خنق ميناء إيلات كلياً، وحصار إسرائيل اقتصادياً بنسبةٍ عالية. لكن هذا ليس أقصى ما حصل ..تجاوز اليمنيون ذلك إلى التأثير في الاقتصاد العالمي، ووجهوا الضربات إلى حاملات الطائرات الأميركية نفسها، وهي المرة الأولى التي تتجرأ فيها دولة (وخصوصاً دولة عالمثالثية وليس تنظيم) على ضرب الأسطول الحربي الأميركي بصورة مباشرة. وهذا اتطور دراماتيكي لم يأخذ حقه إعلامياً. ثم إلى جانب ذلك، أدخلت اليمن الصواريخ فرط الصوتية في المعادلة، وقد كان ذلك التطور الأبرز في معركة إسناد غزة. كيف ردت واشنطن على ذلك؟ هذا النوع من الضرب الاستراتيجي لخطوط التجارة المتعاملة مع إسرائيل، وللقطع البحرية الأميركية الاستراتيجية، كان يمكن أن يشعل حرباً كبرى لو أن الظروف مختلفة، ولو كانت واشنطن تضمن تفاعلات الأحداث لاحقاً. لكن الأخيرة تعاطت بواقعية شديدة من خلال استراتيجية تجاهل اعلامي وحرف أنظار لأن التحدي المتكرر لحاملات الطائرات يشكل أحداثاً محرجة بصورةٍ غير مسبوقة، ويؤثر سلباً على هيبة الحضور الأميركي في المنطقة. عمليات اليمن ضد السفن الأميركية وتلك المرتبطة بإسرائيل حدث عالمي كبير بأبعاده. وربما تكون هذه القوة أول من واجه الولايات المتحدة بهذا المستوى منذ حرب فييتنام. لكن ما هي احتمالات أن تتعرض اليمن للاستهداف المباشر ومحاولة القضاء على قدرات أنصار الله؟ الضرورات الاستراتيجية الأميركية لا تساعد واشنطن على شن اندلاع حرب واسعة في اليمن، لكن ذلك يبقى مرتبطاً بحسابات أوسع من حسابات الساحة اليمنية. فالولايات المتحدة تنظر إلى صنعاء كحليفٍ لطهران من جهة، وكموقعٍ استراتيجيٍ بالغ الأهمية بالنسبة للصراع المستقبلي مع الصين وعبر الفضاء الهندوباسيفيك. ومع نهاية الحرب على غزة، تبرز ضرورة أن يتخذ اليمن خطواتٍ تعزز استقراره، وتعيد السلم الذي غاب عن البلاد طويلاً. فما الأولوية بالنسبة للمصلحة اليمنية اليوم؟ تحديان مهمان الآن لليمن بعد حربي غزة ولبنان وتحولات المنطقة: ⁃ عدم الانجرار إلى حربٍ في وقت قريب، وتثبيت الاستقرار الداخلي. ⁃ البحث عن نهضة اقتصادية من أبواب الفضاءات الأربعة التالية المفتوحة على اليمن، وهي ضرورية جداً لمستقبل البلاد. فما هي هذه الفضاءات؟ جيوسياسياً، هناك فضاءات أربعة مهمة بالنسبة لليمن ولمستقبل البلاد الاستراتيجي، وهي تختزن الكثير من الفرص: ⁃ الفضاء العربي باتجاه الشمال الغربي، وهنا تبدو ضرورة لتعزيز العلاقات مع السعودية ومصر، على الرغم من ثقل السنوات الماضية. الحاجة هنا متبادلة وحيوية للأمن الإقليمي. ⁃ باتجاه الشمال والشمال الشرقي، هناك فضاء العلاقات الإسلامية مع إيران وباكستان بالدرجة الأولى، وهو بعدٌ مفيد جداً لدولة مثل اليمن، تختزن تنوعاً في المذاهب الإسلامية. ⁃ باتجاه الغرب، هناك باب أفريقيا، وهو عربي باتجاه الصومال والسودان، وفيه بالنسبة لليمن فرص يمكن تتبعها، لكنها على الضفة الأفريقية غارقة الآن في مشكلاتها الكبرى. ⁃ باتجاه الشرق، هناك قوتان كبيرتان لابد لليمن أن تتطلع إليهما لاستفادة من مشروعيهما الهائلين: الصين والهند. الدولتان تحتاجان موقع اليمن وموانئه وقواه العاملة، خصوصاً أنه يبقى خارج النفوذ الغربي. في نظام إقليمي مستقر ومتناغم في علاقاته (العلاقات العربية) لن يكون اليمن فقيراً، بل قوة في المنطقة. التركيز القديم على إضعاف اليمن مرتبط بضرورة سيطرة القوى الكبرى على ممرات التجارة وخطوط الطاقة. أما اليوم، فكما تحمل التغيرات الكبرى في المنطقة التهديدات للجميع فإنها أيضاً تحمل الفرص الكبرى، إذا ما حسنت الإدارة الاستراتيجية. فما رايكم؟.
جميع الحقوق محفوظة لموقع © ذمار نت . تم تصميم الموقع بواسطة أوميغا سوفت