الثلاثاء 11/ رمضان/ 1446 - 11/03/2025 : ذمار نت
نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" حقق نتائج مهمة: في مقدمتها: كسر الحاجز الكبير، الذي كان ما بينه وبين أن يبدأ معهم مشوار الدعوة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والإبلاغ لرسالة لله، والدعوة إلى التوحيد لله. ولفت أنظارهم إلى مبدأ التوحيد. وكذلك سعى لنسف الشرك من أذهانهم كمعتقد، من خلال ترسيخ مبدأ الكمال المطلق لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأنه المبدأ الأساس في الاستحقاق للألوهية. وقام بعملية استعراض تأملي في قصة التأمل للكوكب، وللقمر، وللشمس، ووصل بهم إلى أن بهتوا؛ لأنهم لا يمتلكون الحُجَّة لرد ما عرضه عليهم من البراهين النَيِّرة والحجج الواضحة التي آتاه الله إياها، لكن تشبثهم الشديد واعتيادهم على حالة الشرك يحتاج إلى المزيد من المقامات، والتَّرقِّي في الاستدلال وفي قوة الموقف. يعرض لنا القرآن الكريم في (سورة الشعراء) مقاماً آخر، يتميز بالصراحة أكثر من المقام السابق، وهذا في سياق التَّرقِّي، وفي توسيع نطاق الاستدلال ومضامينه، وفي قوة الموقف أكثر، لما لذلك من أهمية في زجرهم عمَّا هم عليه من الشرك، وكذلك باستخدام أسلوب المساءلة التي تستنطق الحقيقة، وتلجئهم إلى الاعتراف بها. الإنسان في خلقه، ووجوده، وحياته، وهدايته، وغذائه، ورزقه، وأجله، مفتقرٌ في ذلك كله إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ومحتاجٌ إليه، ولا مصدر له في ذلك إلا الله، وفي جلب النفع، وفي دفع الضر، وفي النعم كلها، إضافةً إلى مستقبل الإنسان الأبدي والكبير والمهم في الآخرة فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله تعالى، ويتولاه بديلاً عن التولي لله تعالى، والله هو الذي يملك من الإنسان، ويملك للإنسان، ما لا يملكه إلَّا هو، وأنعم على الإنسان مما لم ينعم به عليه غيره، وهذه مسألة مهمة الدافع الكبير في مسألة العبادة والتَّوجُّه بالعبادة هي هذه الحالة من الافتقار، والشعور بالعجز والحاجة، والارتباط من خلال احتياجات الإنسان ومتطلبات حياته بناءً على ذلك، فهو يتَّجه بالعبادة بناءً على ذلك. نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" الذي يلتقي الجميع على تعظيمه، وعلى رمزيته، بما في ذلك المشركون من العرب، ومقدمتهم قريش، الذين هم من نسل نبي الله إسماعيل بن إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، فتلاوة نبأه عليهم هذا الخبر المهم والمفيد له أهميته، يعني: - من حيث رمزية وتعظيم إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" لديهم، إلى درجة أنهم يدَّعون الانتماء إلى نهجه. - من حيث الإيضاح لحقيقة ما كان عليه نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ". - من حيث ما تضمنه هذا الخبر في تفاصيله من براهين عظيمة مقنعة، وحجج دامغة، ودلائل واضحة على بطلان الشرك. ليس باستطاعتك أن تنتزع ملكية الله لك وتتخلص منها، لا يمكنك ذلك، مهما يكون فأنت في واقع الحال عبدٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو المالك لك، هو الذي خلقك، هو الذي ربَّاك، هو المنعم عليك، وهو المالك لك، والمالك لكل ما في السماوات والأرض، وهو رب العالمين، فهو ربك "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى". الإنسان عندما يتَّجه بالعبادة لغير الله هو في حالة ضلال، ضلال رهيب، وفي حالة تَنَكُرٍ تامٍ لأكبر الحقائق، وللحق العظيم، وتعدٍ تجاه حدٍ مهم في الحقِّ الذي هو حقٌّ لله تعالى؛ لأن العبادة هي حقٌ لله تعالى، فعندما ينحرف الإنسان بالعبادة لغير الله هو يتعدى على هذا الحق؛ فلذلك هو يظلم نفسه، وهو يتنكر للحق، وهو يسيء إلى نفسه، لكنه لا يشطب بذلك الحقيقة، التي هي حقيقة راسخة لا يمكن شطبها. العبادة ترتبط بحالة الخوف، بحالة الرجاء، بحالة المحبة، بحالة التعظيم، في أرقى وأعلى مستوياتها، يعني: الإنسان في أخوف ما ينبغي أن يكون عليه من الخوف، أرجى ما ينبغي أن يكون عليه من الرجاء، حالة الطاعة المطلقة التي فوق كل طاعة، المحبة في أعلى مستوى من المحبة، في هذا كله يجب أن يكون متوجهاً بذلك في إطار العبادة، في من يعبده، إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الإله الحق. فإذا اتَّجه بهذه الحالات في: أعلى مستوى من الخوف، أعلى مستوى من الرجاء، أعلى مستوى من المحبة، الطاعة المطلقة التي هي فوق كل طاعة، إلى غير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فهو يتَّجه لتعبيد نفسه لغير الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ثم تأتي الحالة العملية بالنسبة للإنسان في مواقفه، في اتِّجاهه في مسيرة حياته بناءً على ذلك. {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} العنوان الأهم هو هذا العنوان: العبادة، هو الذي يحكم حياة الإنسان، مصيره، يحدد نوع علاقته بالله، طبيعة علاقته بالله، ينبغي أن تكون هكذا: أن نتوجَّه بالعبادة إليه "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وحده؛ لأننا عبيده. ولذلك يأتي الأمر للنبي "صلوات الله عليه وعلى آله " وهو في أداء مهمته في إبلاغ الرسالة الإلهية، وإنقاذ الناس من الشرك، ودعوتهم إلى الإيمان بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بوحدانيته وبالعبادة له، يأتي الأمر له: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ}، لما لهذا من أهمية وتأثير، وإقامة للحُجَّة عليهم. نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ" استخدم أسلوب الاستنتاج للحقيقة والمسائلة، التي تلجئهم إلى الاعتراف بها، فاتَّجه إليهم ويتضح أنه اتَّجه إليهم في حال اجتماع لهم، إمَّا أن يكون ذلك في المعبد الذي فيه أصنامهم ويجتمعون فيه، أو في مقام هم مجتمعون فيه؛ فلذلك كان يخاطبهم، ويتحاور معهم، ويبيِّن لهم، ويسائلهم في جوٍ جماعي. [إبراهيم] ابتدأ معهم بهذا السؤال: (مَا تَعْبُدُونَ؟). العبادة هي المفهوم الذي يحكم حياة الإنسان ومصيره، وهو المفهوم الذي يحدد طبيعة ونوع علاقتنا مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" العبادة هي في الأساس: الخضوع المعبِّر عن العبودية، وهذا الخضوع المُعَبِّر عن العبودية يأتي له أشكال، يعني: هو ينطلق من حالة نفسية لدى الإنسان في حالة الخوف، والرجاء، والخضوع، والتذلل، والشعور بالحاجة والافتقار من واقع الاعتراف بالعبودية، من واقع الشعور بأنه عبد، وهذا الشعور لدى الإنسان بأنه عبد، هو شعورٌ فطريٌ راسخ، لا يمكن أن يزول من الإنسان. الإنسان في تكوينه- كما شرحنا في الدروس الماضية- وفي فطرته، وفي واقعه وواقع حياته، يشعر بحاجته إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبأنه عبدٌ استمد وجوده في هذه الحياة، ويستمد كل النعم عليه في هذه الحياة ومتطلبات حياته الأساسية إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فالعبادة هي هذا الشعور، هذا الخضوع المعبِّر عن العبودية، والذي يترجمه الإنسان في أشكال عملية يُعبِّر بها عن هذا الخضوع ويتَّوجه بما هو عبادة، بما يُعبِّر به عن كونه عبداً، فالإنسان هو في الأساس وفي واقع الحال هو عبدٌ لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مهما فعل لا يخرجه ذلك عن كونه عبداً لله.
جميع الحقوق محفوظة لموقع © ذمار نت . تم تصميم الموقع بواسطة أوميغا سوفت