الأحد 29/ ربيع الأول/ 1447 - 21/09/2025 : undefined
بقلم : محمد البخيتي _ محافظ ذمار.
للوهلة الأولى قد يبدو أن مسارات الأحداث في منطقة الخليج تسير عكس منطق التوقعات: فبعد القصف الإسرائيلي لقطر لم تُعد تلك الدول حساباتها لتعود إلى فلكها العربي والإسلامي وتبتعد عن الهيمنة الأمريكية كما توقعنا، بل سارعت إلى تشكيل تحالفات بحرية وجوية لحماية امن ملاحة وعمق الكيان الصهيوني.
لكن إذا نظرنا من زاوية أخرى "أن دول الخليج باتت واقعاً تخضع لاحتلال أمريكي مباشر عبر القواعد العسكرية المنتشرة على أراضيها" فإن تسلسل الاحداث تصبح منطقية, فحين أدرك ترامب أن ورقة التهديد بسحب الحماية قد استنفذت فعليتها لإجبار الحكومات الخليجية على الانخراط المباشر في الحرب ضد اليمن، لجأ إلى خيار العقاب المباشر، وكان قصف قطر رسالة تذكير لتلك الدول بانها تحت الاحتلال.
صحيح أن القصف أفاق حكام الخليج على واقع مرير، لكنهم وجدوا أنفسهم بلا قدرة على المواجهة: لأن احدث منظوماتهم الدفاعية والهجومية قابلة للتعطيل بضغطة زر واحده إذا ما استُخدمت ضد أهداف إسرائيلية، كما أن تواجد القواعد العسكرية الأمريكية يهيئ لخيارات للتدخل العسكري المباشر للتغيير اي نظام، بالتوازي مع ضعف دور الحراك الشعبي المقاوم في دول الخليج الذي يكاد يقترب من الصفر.
والسبب الجوهري لغياب الدور الشعبي في دول الخليج لا يكمن في تراجع شعبية الحكام ـ كما هو الحال في السعودية مثلاً ـ بل في أن الموالين لهم جرى ترويضهم وقولبتهم على تقبّل الاحتلال الأمريكي. وقد تحقق ذلك عبر سياسات ممنهجة انتهجها الحكام لعقود طويلة، استهدفت تجريد شعوبهم من الاحساس بالكرامة والعزة والشرف، لكي يضمنوا صمتهم أمام خضوعهم لأمريكا وتخلّيهم عن قضايا أمتهم.
يتعمد الكيان الصهيوني إظهار جرائمه في غزة، مقروناً بتهديدات نتنياهو الصريحة بتغيير الحكام العرب إذا لم يلتزموا الصمت تجاه تلك الجرائم. ويأتي ذلك في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى النيل من كرامة العرب ورجولتهم وضرب نفسيتهم، قبل ضربهم عسكرياً، تمهيداً لإعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط كما توعّد نتنياهو.
ومن أبرز الأساليب التي استخدمها الصهاينة لتجريد العربي من كرامته هي اتهام كل عربي مقاوم بأنه "إيراني". وقد ساهمت هذه الدعاية في ترسيخ فكرة مشوّهة في اللاوعي لدى كثير من المجتمعات العربية، مفادها أن الحفاظ على "العروبة" يقتضي التخلي عن الكرامة والعزة والشرف.
لهذه الاسباب لا نشهد مقاومة شعبية فاعلة في سوريا رغم التوغلات الإسرائيلية المتكررة, كما لا نتوقع في الوقت الراهن رد فعل شعبي واسع تجاه الوجود الأمريكي في دول الخليج.
على شعوب الجزيرة العربية ألّا ترضخ لهذا الواقع المزري، وأن تستلهم تجربة الشعب اليمني في الصمود والمقاومة. وإذا كانوا قد فقدوا الأمل في قادتهم الحاليين، فإن في اليمن قائداً جديراً وقادراً على أن يقود الأمة نحو استعادة كرامتها وعزتها وشرفها، والمضي بها لبناء نظام عالمي جديد يرتكز على العدل والإنصاف بين الشعوب.
جميع الحقوق محفوظة لموقع © ذمار نت . تم تصميم الموقع بواسطة أوميغا سوفت