السبت 17/ جمادى الأولى/ 1447 - 08/11/2025 : undefined
بقلم/ محمد البخيتي - نشأة الجماعات الاسلامية - مقالات
الجماعات الإسلامية الحديثة تمثل امتدادًا تاريخيًا متطورًا لمزيج من فكري محمد بن عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني، اللذين كانا على طرفي نقيض.
قام مشروع محمد بن عبد الوهاب (1703–1792م) على اساس تكفير كل المسلمين كمبرر لفرض العقيدة الوهابية بقوة السلاح. وبسبب هذا النهج الصدامي، ظل انتشار الوهابية محدودًا في نطاق مناطق سيطرتها العسكرية حتى الطفرة النفطية.
في المقابل، قام مشروع جمال الدين الأفغاني (1838–1897م) على فكرة أن الإسلام دين شامل للحياة، وأن نهضة الأمة لا تتحقق إلا بتوحيد صفوفها بمختلف مذاهبها في مواجهة الاستعمار الغربي, وبفتح باب الاجتهاد والانفتاح على العلوم الحديثة والاستفادة من منجزات الحضارة الغربية دون الذوبان فيها، فكانت رؤيته دعوة إلى وعيٍ إسلامي جامع تجاوزت حدود الدول والمذاهب، واثرت في عدد كبير من العلماء والمفكرين المسلمين.
كان الامام محمد عبده (1849-1906) اشهر تلامذة جمال الدين الأفغاني وأكثرهم تأثرًا بأفكاره، غير أنه بعد نفي أستاذه اتجه إلى التركيز على الإصلاح الفكري والدعوي والتربوي بوصفه الطريق الأمثل لنهضة الأمة، متراجعًا عن الطرح الثوري والجهادي الذي تبناه الأفغاني. وقد أدى هذا التحوّل العملي والفكري إلى ميله للتعاون مع سلطات الاحتلال البريطاني في إطار سعيه لتحقيق إصلاح تدريجي من داخل مؤسسات الدولة والمجتمع.
عبد الله النديم (1842–1896م) كان من أبرز تلامذة جمال الدين الأفغاني، غير أنه اتجه إلى التركيز على الجانب الثوري والشعبي في فكر أستاذه، فكان الخطيب الأول للثورة العرابية في مصر عام 1881م بقيادة أحمد عرابي ضد الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية. وبعد فشل الثورة، تعرّض للمطاردة والنفي حتى وفاته، وبقي يُذكر بوصفه الأب الروحي للحركات الوطنية والقومية العربية التي رفعت شعار التحرر من الاستعمار وبناء الوعي الشعبي.
تأثّر عبد الرحمن الكواكبي (1855–1902م) بأفكار جمال الدين الأفغاني، فدعا إلى الوحدة الإسلامية والإصلاح الديني والفكري بوصفهما مدخلًا لنهضة الأمة. غير أن تركيزه على مقاومة الاستبداد السياسي وفضح تسلّط الحكام جعله يدخل في صدام مباشر مع السلطات العثمانية في سوريا، مما اضطره إلى الهجرة إلى مصر، حيث توفي في ظروف غامضة يُرجّح أنه قُتل مسمومًا. وقد تركت أفكاره أثرًا عميقًا في التيارات القومية العربية والحركات اليسارية التي تبنّت دعوته إلى الحرية والعدالة ومقاومة الطغيان.
تأثّر محمد إقبال (1877–1937م) بأفكار جمال الدين الأفغاني، فدعا إلى تحرر الأمة الإسلامية من الاستعمار الفكري والسياسي، وإلى تجديد الفكر الإسلامي بما ينسجم مع روح العصر ومقاصد القرآن الكريم. وقد عبّر عن رؤيته بلغة فلسفية وشعرية صوفية تمزج بين الإيمان والعقل، والدين والحياة. وقد كان أبو الأعلى المودودي من أبرز المفكرين الذين تأثروا بفكر إقبال وسعوا إلى تحويل رؤيته الروحية والفكرية إلى مشروع عملي لإحياء الدولة الإسلامية الحديثة.
تأثّر سعد زغلول (1859–1927م) بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في ميداني الإصلاح الديني والسياسي، وسعى إلى ترجمتها عمليًا من خلال قيادته لثورة 1919م في مصر ضد الاحتلال البريطاني. وقد أدّت هذه الثورة إلى تحقيق استقلال جزئي لمصر عام 1922م وإرساء أسس الحياة الدستورية الحديثة. وفي عام 1924م أسّس حزب الوفد ليكون المعبّر السياسي عن الحركة الوطنية، فغدا رمزًا بارزًا للتيارات الوطنية والقومية العربية التي تبنّت شعار الحرية والاستقلال والسيادة الشعبية.
يُعدّ رشيد رضا (1865–1935م) من أبرز تلامذة الإمام محمد عبده، وقد سار في بداياته على نهج أستاذه في التركيز على الإصلاح الديني والدعوي واتباع سياسة التقارب مع السلطات الاستعمارية البريطانية لتأمين استمرارية نشاطه الفكري والإصلاحي. غير أنه مع مرور الوقت تأثّر بالفكر السلفي الوهابي، فتبنّى مواقفه العقدية وبدأ في انتقاد المدارس الإسلامية الأخرى كـ الشيعة والأشاعرة، مخالفًا بذلك المنهج المنفتح الذي اتبعه أستاذاه الأفغاني ومحمد عبده في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية وتجاوز الخلافات
تأثّر أبو الأعلى المودودي (1903–1979م) بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ومحمد إقبال، غير أنه صاغ منها رؤية أكثر شمولًا تركز على أن الإسلام دين ودولة ونظام حياة متكامل. دعا المودودي إلى إقامة دولة إسلامية تقوم على مبدأ الحاكمية لله وتطبيق الشريعة، واعتمد في مشروعه على العمل التنظيمي المنهجي من خلال تأسيس الجماعة الإسلامية. ورغم أن الهند ثم باكستان كانتا تحت الاحتلال الأجنبي، فإنه لم يدعُ إلى الكفاح المسلح، بل آمن بأن التغيير الفكري والتربوي والسياسي المنظم هو الطريق الأنجع لإقامة المجتمع الإسلامي المنشود.
جميع الحقوق محفوظة لموقع © ذمار نت . تم تصميم الموقع بواسطة أوميغا سوفت